قصة إلياس عليه السلام

watch_later الاثنين، 8 أغسطس 2016
إلياس نبي مرسل من بني إسرائيل، أرسله الله إلى أهل بعلبك، غربي دمشق، فدعاهم إلى الله عز وجل وبكَّتهم تبكيتاً شديداً على عبادة (بَغْل) وهو صنم صنعوه بأيديهم، ونصبوه معبوداً لهم، يسجدون له، ويتقربون إليه، ويرجون نفعه، ويخافون بأسه، وهم يعلمون أنه لا يسمع ولا يبصر، ولا ينفع ولا يضر، ولا يغني عنهم شيئاً، ولكنَّ الشيطان سوَّل لهم وأملي لهم وصدهم عن السبيل، فجَمُدت عقولهم عن تفكير السليم، وأعماهم التقليد الأعمى عن التخلص من تلك الترهات التي ورثوها عن آبائهم، والحماقات التي أضافها كبراؤهم ورؤساؤهم.
وقد ظل إلياس بن ياسين بن منحاص بن العيذار بن هارون يدعوهم إلى الله على بصيرة من ربه حتى أجمعوا على قتله، فخرج إل مكان لا يعلم به أحد إلا الله، وقد ذكر الله قصته موجزة في سورة الصافات، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْـمُرْسَلِينَ123/37إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ124/37أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ125/37وَاللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ126/37فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ127/37إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْـمُخْلَصِينَ128/37وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ129/37سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ130/37إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنِينَ131/37إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْـمُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات:123-132].
وقد ذكرت قصة (إلياس) في سورة (الصافات) بعد قصة موسى وهارون عليهما السلام؛ لما بين الدعوتين من تشابه في الأسلوب، وإن أردت أن تتأكد من صحة ذلك فاقرأ عن موسى عليه السلام عندما سأله فرعون عن ربه ورب أخيه: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه:50] أي أعطى كل خلق ما يناسبه حتى بدا على خير مثال وأحسن تقويم، وهذا القول من موسى عليه السلام يشبه ما قاله إلياس لقومه: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾.
واقرأ في سورة الشعراء حكاية عن موسى عليه السلام في محاورته فرعون: ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء:26] وهذا ما قاله إلياس لقومه: ﴿وَاللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾.
وقد بدأ إلياس حديثه مع قومه بقوله- كما حكى القرآن عنه: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ﴾ أي ألا تتركون ما أنتم فيه، وتجعلون لأنفسكم وقاية من عذاب الله تعالى بإفراده بالعبادة، وهو زجر وتخويف لهم على سبيل الإجمال، وتحذير لهم مما هم فيه من شرك وضلال.
فهذا القول جعله مقدمة لما بعده من حجج مقنعة أدلى بها في يسر ووضوح، ثم وبخهم مرة أخرى بأسلوب أشد عنفاً مما قبله على حسب ما اقتضاه المقام- فقال كما حكى الله عنه: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ أي أتعبدونه من دون الله وتجأرون إليه بالدعاء.
وقد عبر بالدعاء عن العبادة لأنه أعم، يشملها ويشمل غيرها من الضراعة والتمسكن، والخضوع وسؤال الخير.
واعلم يا من تعني بمعرفة دقائق الحقائق أن لفظ: ﴿أحسن﴾ في قوله جل شأنه: ﴿وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ ليس أفعل تفضيل، وإنما هو وصف لازم لله وحده لا يشاركه فيه أحد، إذ لا خالق إلا هو، فلو اعتبرنا- جدلاً- أن هناك من يخلق شيئاً بقدرة أودعها الله فيه، وسماه الناس خالقاً أو أطلقوا عليه كلمة بمعناها كمبتكر أو مخترع- فإن الله هو الذي يقال له: ﴿أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ لوجود الفرق الشاسع، والبون الواسع بين ما خلق الله بقدرته وما خلق العبد، وهو العاجز كل العجز عن خلق ذبابة أو استنقاذ شيء سلبته منه ذبابة، فهو جل شأنه أحسن من يقال له خالق.
ونفهم من قوله تعالى: ﴿اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ أن إلياس عليه السلام قد عرض بهم وبآبائهم- بعد أن أثبت وحدة الألوهية والربوبية- بأنهم قلدوا في عبادة (بعل) آباءهم فكانوا ضالين لضلال آبائهم، ولولا التقليد الأعمى لآبائهم الأولين لعرفوا الله فعبدوه، وعقلوا كلام الرسل فاتبعوهم، ونهجوا نهجهم، ولكنهم ضربوا بهذه الدعوة عرض الحائط، وصموا آذانهم عن سماع الحق، وعقلوا عقولهم عن التفكير فيما جاءهم به، وفيما حذرهم منه فحق عليهم العذاب، كما قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾.
ثم استثنى الله جل جلاله من قومه من آمن به فقال سبحانه: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْـمُخْلَصِينَ﴾ أي: فإنهم ناجون من العذاب، فالاستثناء متصل بناءً على أن فريقاً من قومه قد آمن به، فإذا لم يكن قد آمن به أحد كما ذهب إليه بعضهم فالاستثناء منقطع بمعنى (لكن)، أي: لكن عباد الله المخلصين من غير قوم إلياس بمعزل عن العذاب؛ لأنهم أخلصوا لله دينهم ومحضوا له قلوبهم، وأخلصهم الله لنفسه واصطفاهم لعبادته، وأضافهم إليه إضافة تشريف وتعظيم.
وقد ساق الله هذه القصة بهذا الإيجاز المعجز، لنعلم أن هذا الرسول واحدٌ من أولئك المرسلين كذبهم بنو إسرائيل، فنجاهم الله من شرهم وأشرهم، وأدخله في زمرة المحسنين الذين يستحقون تخليد الذكر على مر العصور، وذلك بسلام المؤمنين عليه عند ورود اسمه على ألسنتهم.
وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ129/37سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ أي وتركنا عليه قول القائلين من المؤمنين من بعده سلام على إل ياسين.
وإل ياسين: هو إلياس عند العرب، فقد جرت عادتهم أن يزيدوا وينقصوا في الأسماء الأعجمية، وربما زادوا في الاسم حرفاً أو حرفين للتعظيم، وقد نزل القرآن بلغتهم.
والمعنى: سلام على إلياس العظيم، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ والأصل: طور سيناء، والزيادة للتعظيم.
وقرئ سلام على (آل ياسين) أي: سلام على اتباع إلياس العظيم، ومعلوم أنه إذا سلم على آله من أجله فهو داخل في السلام دخولاً أوليّاً.
والذي لاشك فيه أن (إلياس) عليه السلام كان معروفاً عند العرب فيما يحدثهم به اليهود عن أنبيائهم.
وإلياس هو المذكور في التوراة باسم (إيليا بن متى)، وهو من أنبياء بني إسرائيل الذين سبقوا زكريا ويحيى عليهما السلام.
ولكن اليهود كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويلبسون الحق بالباطل، ويشوهون حقائق التاريخ، فجاء القرآن بخبر هذا النبي وخبر إخوانه من الأنبياء على أصدق حديث، وأقوم منوال وأهدى سبيل، مما يدل على أنهم جميعاً كانوا على دين واحد، هو دين الفطرة التي فطرهم الله عليها، وأن أصول الدين لا تختلف من نبي إلى آخر، وإن اختلفوا في الفروع الشرعية تبعاً لاختلاف عصورهم وبيئاتهم وأقدار أممهم.
* والخلاصة:
أن هذه القصة على إيجازها تعد خلاصة لما جاء به جميع الرسل، فما من نبي ولا رسول إلا قال لقومه: اعبدوا الله واتقوه، وذروا ما أنتم عليه من عبادة غيره مما خلق وبرأ؛ إذ كل ما سوى الله مخلوق.
وقد بينت القصة- أيضاً- سنة الله في نصرة أنبيائه إهلاك أعدائه، وبينت مكانة إلياس عليه السلام عند ربه عز وجل ومكانته بين عباده المخلصين- كما أشرنا- وفيها دعوة لأهل الحق أن يتمسكوا به، وأن يدعوا إليه مخلصين لا يخافون في الله لومة لائم، وليثقوا بعد ذلك في نصر الله لهم في الدنيا، وحسن ثوابه في الدار الآخرة.
•    المصدر: قصص القرآن الكريم: د. بكر إسماعيل.



sentiment_satisfied Emoticon