(أ) من المعلوم في كتب اللغة أن القصة مشتقة من القصِّ: وهو تتبع الأثر،
ومنه قوله تعالى: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [سورة
القصص:64]، ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [سورة القصص:11].
فسمى الخبر المؤلف من حوادث مترابطة يتبع بعضها بعضاً قصة؛ لأن القصاص يتتبع الأحداث فيسردها حدثاً بعد حدثٍ حتى يصل بالقصة إلى نهايتها.
(ب) والقصة في القرآن تتبع أحداثاً ماضية وتعرض منها ما يفيد عرضه في مجال الدعوة إلى التوحيد الخالص والخلق الفاضل.
ومن هنا كانت تسمية الأخبار التي جاء بها القرآن قصصاً مما يدخل في المعنى العام لكلمة خبر أو نبأ، وقد استعمل القرآن الكريم الخبر والنبأ بمعنى التحدث عن الماضي، وإن كان قد فرق بينهما في المجال الذي استعملا فيه جرياً على ما قام عليه نظمه من دقة وإحكام وإعجاز، فاستعمل النبأ والأنباء في الإخبار عن الأحداث البعيدة زماناً أو مكاناً، على حين أنه استعمل الخبر والإخبار في الكشف عن الوقائع القريبة العهد بالوقوع، أو التي لا تزال مشاهدها قائمة مائلة للعيان.
ففي النبأ والأنباء يقول الله تعالى في أصحاب الكهف: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ﴾ [الكهف:13]. ويقول سبحانه في شأن الأمم الماضية وما وقع فيها من مثلات: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود:100].
ويقول سبحانه فيما يقص على نبيه من قصص الأولين: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا﴾ [هود:49].
وفي الخبر والأخبار يقول سبحانه مخاطباً المؤمنين: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْـمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد:31]، ويقول جل شأنه فيما يكون من أحداث يوم القيامة: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا4/99بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [سورة الزلزلة:4-5]، والتحديث بالأخبار إنما يكون في هذا الوقت الذي تقوم فيه الساعة.
ففي مجال الأخبار الواقعة في وقت نزوله والأخبار التي وقعت بعده يحدثنا عن الكثير منها، فيكشف خباياها ويُبيِّن وجه الحق فيها، كما نرى في حديث الإفك، وفي وقعة بدر وأحد وحنين، وفي بيعة الرضوان وصلح الحديبية، وغير ذلك كثير مما جاء به القرآن في أحوال وشؤون ملابسه لنزوله.
كذلك أخبر سبحانه وتعالى عن الصراع الذي كان دائراً بين الفرس والروم، وأن معركة ستدور بعد بضع سنين سيكتب النصر فيها للروم على الفرس: ﴿الم1/30غُلِبَتِ الرُّومُ2/30فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ3/30فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْـمُؤْمِنُونَ﴾ [الروم:1-4]، كما أخبر سبحانه عن فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا في قوله: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ1/110وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا2/110فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر:1-3]، وكما أخبر عن هزيمة المشركين يوم بدر بقوله سبحانه ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر:45]. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كنت اقرأ هذه الآية وأتساءل: أي جمع هذا الذي سيهزم؟ حتى كان يوم بدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾، فرأيت الجمع المهزوم.
ومن هذا يتبين لنا أن القرآن يستعمل النبأ فيما مضى، والخبر في الأحداث الحاضرة والمستقبلة- غالباً.
والخلاصة: أن الاشتقاق اللغوي للقصة أو القصص- كما رأينا- هو كشف عن آثار، وتنقيب عن أحداث نسيها الناس أو غفلوا عنها، وغاية ما يراد بهذا الكشف هو إعادة عرضها من جديد لتذكير الناس بها، وإلفاتهم إليها لهم منها عبرة وموعظة. هكذا كان القصص القرآني، ولهذا جاء.
* *
* المرجع: قصص القرآن: د. محمد بكر إسماعيل.
فسمى الخبر المؤلف من حوادث مترابطة يتبع بعضها بعضاً قصة؛ لأن القصاص يتتبع الأحداث فيسردها حدثاً بعد حدثٍ حتى يصل بالقصة إلى نهايتها.
(ب) والقصة في القرآن تتبع أحداثاً ماضية وتعرض منها ما يفيد عرضه في مجال الدعوة إلى التوحيد الخالص والخلق الفاضل.
ومن هنا كانت تسمية الأخبار التي جاء بها القرآن قصصاً مما يدخل في المعنى العام لكلمة خبر أو نبأ، وقد استعمل القرآن الكريم الخبر والنبأ بمعنى التحدث عن الماضي، وإن كان قد فرق بينهما في المجال الذي استعملا فيه جرياً على ما قام عليه نظمه من دقة وإحكام وإعجاز، فاستعمل النبأ والأنباء في الإخبار عن الأحداث البعيدة زماناً أو مكاناً، على حين أنه استعمل الخبر والإخبار في الكشف عن الوقائع القريبة العهد بالوقوع، أو التي لا تزال مشاهدها قائمة مائلة للعيان.
ففي النبأ والأنباء يقول الله تعالى في أصحاب الكهف: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ﴾ [الكهف:13]. ويقول سبحانه في شأن الأمم الماضية وما وقع فيها من مثلات: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود:100].
ويقول سبحانه فيما يقص على نبيه من قصص الأولين: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا﴾ [هود:49].
وفي الخبر والأخبار يقول سبحانه مخاطباً المؤمنين: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْـمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد:31]، ويقول جل شأنه فيما يكون من أحداث يوم القيامة: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا4/99بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [سورة الزلزلة:4-5]، والتحديث بالأخبار إنما يكون في هذا الوقت الذي تقوم فيه الساعة.
ففي مجال الأخبار الواقعة في وقت نزوله والأخبار التي وقعت بعده يحدثنا عن الكثير منها، فيكشف خباياها ويُبيِّن وجه الحق فيها، كما نرى في حديث الإفك، وفي وقعة بدر وأحد وحنين، وفي بيعة الرضوان وصلح الحديبية، وغير ذلك كثير مما جاء به القرآن في أحوال وشؤون ملابسه لنزوله.
كذلك أخبر سبحانه وتعالى عن الصراع الذي كان دائراً بين الفرس والروم، وأن معركة ستدور بعد بضع سنين سيكتب النصر فيها للروم على الفرس: ﴿الم1/30غُلِبَتِ الرُّومُ2/30فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ3/30فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْـمُؤْمِنُونَ﴾ [الروم:1-4]، كما أخبر سبحانه عن فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا في قوله: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ1/110وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا2/110فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر:1-3]، وكما أخبر عن هزيمة المشركين يوم بدر بقوله سبحانه ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر:45]. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كنت اقرأ هذه الآية وأتساءل: أي جمع هذا الذي سيهزم؟ حتى كان يوم بدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾، فرأيت الجمع المهزوم.
ومن هذا يتبين لنا أن القرآن يستعمل النبأ فيما مضى، والخبر في الأحداث الحاضرة والمستقبلة- غالباً.
والخلاصة: أن الاشتقاق اللغوي للقصة أو القصص- كما رأينا- هو كشف عن آثار، وتنقيب عن أحداث نسيها الناس أو غفلوا عنها، وغاية ما يراد بهذا الكشف هو إعادة عرضها من جديد لتذكير الناس بها، وإلفاتهم إليها لهم منها عبرة وموعظة. هكذا كان القصص القرآني، ولهذا جاء.
* *
* المرجع: قصص القرآن: د. محمد بكر إسماعيل.