مناظرة إبراهيم الخليل مع من أراد أن ينازع الله العظيم الجليل في العظمة
ورداء الكبرياء فادعى الربوبية، وهوَ أحدُ العبيد الضعفاء.
يذكر الله تعالى مناظرة خليله إبراهيم مع هذا الملك الجبار المتمرد الذي
ادعى لنفسه الربوبية، فأبطل الخليل عليه دليله، وبين كثرة جهله، وقلة عقله.
وقيل هذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح
وكان أحد ملوك الدنيا، فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة: مؤمنان
وكافران. فالمؤمنان: ذو القرنين وسليمان. والكافران: النمرود وبختنصّر.
وذكروا أن النمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان طاغية وظالما،
وآثر الحياة الدنيا.
ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل
والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع، فحاجّ إبراهيم الخليل في ذلك وادعى
لنفسه الربوبية. فلما قال إبراهيم: (ربي الذي يحي ويميت)
( قال: أنا أحي وأميت) أي النمرود
ومعنى قول النمرود أنه يحيي ويميت أنه إذا أتى بالرجلين و قد وجب قتلهما
لأمر ما، فإذا أمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات
الآخر.
وهذا ليس بمعارضة لإبراهيم، بل هو كلام خارجي عن مقام المناظرة.
ولما كان انقطاع مناظرة هذا الملك قد تخفى على كثير من الناس ممن حضره
وغيرهم، ذكر إبراهيم دليلاً آخر بين به وجود الصانع وبطلان ما ادّعاه
النمرود وانقطاعه جهرة: قَال ابراهيم: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي
بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ} أي هذه الشمس
مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها. وهو الذي
لا إله إلا هو خالق كل شيء, فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فأت
بهذه الشمس من المغرب فإنّ الذي يحي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع
ولا يغالب بل قد قهر كل شيء، ودان له كل شيء، فإن كنت كما تزعم فافعل هذا،
فإن لم تفعله فلست كما زعمت، وأنت تعلم ، أنك لا تقدر على شيء من هذا بل
أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر منها.
فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، وأبطل ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه،
ولم يبق له كلام يجيب الخليل به بل انقطع وسكت. ولهذا قال: {فَبُهِتَ
الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
وقد بعث الله بعد ذلك إلى ذلك النمرود ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى
عليه. ثم دعاه الثانية فأبى عليه. ثم دعاه الثالثة فأبى عليه. وقال: اجمع
جموعك وأجمع جموعي.
فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً من
البعوض، بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم
وتركتهم عظاماً ، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره زمنا
طويلاً، عذبه الله تعالى بها في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.
قصة سيدنا إبراهيم والنمرود
watch_later
الاثنين، 8 أغسطس 2016
comment
Add Comment