قصة إسماعيل عليه السلام

watch_later الاثنين، 8 أغسطس 2016
عرفنا فيما سبق أن إسماعيل عليه السلام هو أول غلام وهبه الله لإبراهيم عليه السلام، وعرفنا أنه من «هاجر» التي وهبها ملك مصر لسارة، وعرفنا قصته مع أبيه حين عرض عليه رؤياه، ورأينا كيف استجاب لأمر الله واستسلم لقضائه، وأنصف أباه من نفسه، وامتثل له لينفذ فيه ما رآه في منامه، صابراً محتسباً، لم يعكر صفو إيمانه يعاب به أو يعاتب عليه.
وعرفنا أنه قد اشترك مع أبيه في بناء البيت الحرام، وغيرَ ذلك مما تقدم ذكره في قصته مع أبيه وأمه.
وقد كان لإبراهيم عليه السلام من الولد كثير- كما ذكر ابن كثير في البداية نقلاً عن السهيلي من كتابه «التعريف والإعلام».
وكان إسماعيل بكره، وظل وحيده أكثر من ثلاث عشرة سنة، ثم رزقه الله بإسحاق من سارة، ثم تزوج بعدها «قنطورا بنت يقطن» الكنعانية، فولدت له ستة: مدين، وزمران، وسرج، ويقشان، ونشق، ولم يسم السادس.
ثم تزوج بعدها «حجون بنت أمين» فولدت له خمسة: كيسان، وسورج، وأميم، ولوطان، ونافس.
وإسماعيل وإسحاق هما أشهر أولاده، وأكرمهم وأرفعهم منزلة عند الله، ورثا من أبيهما النبوة والكتاب والعلم والحلم.
وقد عاش إسماعيل بمكة مع أمه هاجر بين جبال فاران في جوار عصبة من قبيلة جرهم، ونشأ بينهم نشأة كريمة، وأحبهم وأحبوه، وتكلم بلغتهم العربية، وكان أفصحهم لساناً وأعذبهم بياناً، وذلك أمر بدهي؛ لأن الله عز وجل قد أعده للرسالة، ومن شأن الرسول أن يكون أفصح القوم وأجدرهم على التعبير عن مراده، وأصدقهم قولاً، وأقومهم سبيلاً، وأقواهم حجة، وهو الوارث لأبيه في ذلك وغير ذلك من المحامد العلية، والصفات المرضية.
ولما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال تزوج امرأة من العماليق يقال لها «عمارة بنت سعد بن أسامة بن أكيل العماليقى».
وماتت هاجر رضي الله عنها وجاء إبراهيم عليه السلام بعدها تزوج إسماعيل عليه السلام فلم يجده، فسأل امرأته، فقالت: خرج يبتغي لنا رزقاً، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ (في ضيق وشدة). وشكت إليه، فقال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟، فقالت: نعم جاءنا شيخ صفته كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أننا في جهد وشدة.
قال: فهل أوصاك بشيء؟. قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، فطلقها وتزوج من جرهم امرأة أخرى.
ولبث عنهم إبراهيم عليه السلام ما شاء الله ثم أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا رزقاً، قال: كيف أنتم؟، وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟، قالت: اللحم، قال: ما شرابكم، قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، قال: هل أتاكم من أحد؟، قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة- وأثنت عليه- فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنَّا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟، قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك.
ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبرى نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد، والوالد بالولد، ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك به ربك، قال: وتعينني، قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
هذا وقد ذكر علماء النسب والسير أن إسماعيل عليه السلام هو أول من ركب الخيل واستأنسها بعد أن كانت متوحشة.
قال ابن كثير في البداية: قال سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه حدثنا شيخ من قريش حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتخذوا الخيل واعتبقوها فإنها ميراث أبيكم إسماعيل».
وقد أنجب إسماعيل عليه السلام من الزوجة الثانية وهي «السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي» اثنى عشر ولداً ذكراً.
ولقد لقى إسماعيل عليه السلام ربه عز وجل بعد عمر جاوز مائة وسبعاً وثلاثين سنة. ودفن مع أمه هاجر بالحجر، وعرب الحجاز كلهم ينتسبون إلى ولديه «نابت» و«قيذار»، وإسماعيل عليه السلام هو أبو العرب المستعربة، ونحن المصريين ننتسب إليه من جهة هاجر، وهي قبطية من بنات مصر.
* * *
* المرجع: قصص القرآن: د. محمد بكر إسماعيل.



sentiment_satisfied Emoticon