وهو الابتداء بكلام غير مستقل في معناه بسبب تعلّقه بما قبله لفظاً ومعنى
أو يُلغي المعنى المراد أو يُفسده في غير رؤوس الآيات إذ الابتداء من رؤوس الآيات
ابتداء جائز تعلق بما فقبله أو لم يتعلق لأنه الوقف على رؤوس الآيات سنة. وهو
درجات منها:
1-
البدء بكلمة متعلّقة بما قبلها لفظاً ومعنى كالابتداء
بالمعمول قبل عامله ، كما في المثال التالي: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ
هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون].
2-
البدء بكلمة يؤدي معنى غير الذي أراده الله أو يؤدي
إلى مخالفة العقيدة. كالابتداء بالمخطوط تحته من الآيات المذكورة أدناه:
-
(وَقَالُواْ
اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا) [البقرة:116].
-
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ
أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ) [المائدة:64].
والابتداء القبيح لا يكون إلا بعد وقف قبيح أو وقف حسن ، وهذا الابتداء لا
يجوز بحال من الأحوال لأنه لا يكون إلا اختيارياً.
الابتداء بعد
قطع
يغلب على كثير من الذي يقرؤون القرآن ، أن يقطعوا قراءتهم أي: ينهوها على
نهاية جزء أو حزب أو ربع ، دون مراعاة المعنى ، ويبدؤوها من أول جزء أو ربع دون
مراعاة للمعنى أيضاً.
وهنا لابد من التنبيه إلى أن القطع ينقسم إلى قسمين:
1-
قطع حسن: وهو ما كان بعد وقف تام
أو وقف كافٍ ، كالقطع على قوله تعالى: (وَهُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ)
[البقرة:25] حيث يعتبر الوقف تاماً ، وكالقطع على قوله تعالى: (وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة:43] حيث يعتبر الوقف
كافياً وكلاهما رأس ربع.
2-
قطع قبيح: وهو ما كان بعد وقف حسن
ولو كان نهاية جزء أو حزب أو ربع إذ ليس من الضروري أن تكون منقطعة عما بعدها
لفظاً ومعنى ، كالقطع على قوله تعالى: (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلَّا
مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء: 23]. حيث لم ينته
في نهاية هذه الآية عدُّ المحرمات بل الآية التي تليها تكملة للمحرمات ، إذ يقول
الله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
[النساء: 24] هذا مع أن الآية السابقة من سورة النساء [23] هي نهاية جزء.
والابتداء بعد قطع يتبع القطع ، فإن كان القطع حسناً كان الابتداء حسناً ،
وإن كان القطع قبيحاً كان الابتداء قبيحاً.
فالابتداء بعد وقف تام أو وقف كافٍ ابتداء حسن ، والابتداء بعد وقف حسن ابتداء
قبيح غالباً وليس دائماً.
فالابتداء بقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ
مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) [البقرة:26] ابتداء حسن لأنه بعد وقف تام.
والابتداء بقوله: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ
أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44]
ابتداء حسن لأنه بعد وقف كاف.
والابتداء بقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلَّا مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء:23] ابتداء قبيح لأنه بعد وقف حسن.
ولقد جاء في كتاب : [التبيان في آداب حملة القرآن] لمؤلفه أبي زكريا يحيى
بن شرف النووي رحمه الله ، ما نصّه: (ينبغي للقارئ إذا ابتدئ من وسط السورة أو وقف
على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض. وأن يقف على الكلام
المرتبط زلا يتقيّد بالأعشار والأجزاء فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط كالذي
في قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلَّا مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ) [النساء:24] وفي قوله تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) [يوسف:52]
وفي وقوله تعالى: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ) [النمل:56] فكل هذا وشبهه ينبغي
ألا يبتدئ به ولا يوقف عليه فإنه متعلق بما قبله ولا يغترّن بكثرة الغافلين له من
القرّاء الذين لا يراعون هذه الآداب ولا يفكرون في هذه المعاني ، وامتثل ما روى
الحاكم أبو عبدالله بإسناده عن السيد الجليل الفاضل ابن عياض رضي الله عنه قال:
(لا تستوحشن طرق الهدى لقلة أهلها ولا تغترن بكثرة الهالكين ، ولا يضرّك قلة
السالكين)..
ولهذا المعنى قالت العلماء: (قراءة سورة قصيرة بكاملها أفضل من قراءة بعض
سورة طويلة بقدر القصيرة).. فإن قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال ،
وقد روى ابن أبي داود بإسناده عن عبدالله بن أبي الهذيل التابعي المعروف رضي الله
عنه قال: (كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويتركوا بعضها).
*أهم المصادر والمراجع:
- بغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن: الشيخ محمد شحادة الغول.
- كيف تقرأ القرآن الكريم: الشيخ محمد أبو الفرج صادق.
- البرهان في علوم القرآن: الإمام الزركشي.