بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، أما بعد:
فقد قال تعالى { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }، وإن الناظر في قصص القرآن الكريم ليجد فيه خيرا كثيرا، وفوائد جمة، تفيده في الدنيا والآخرة، وقد أكثر العلامة السعدي رحمه الله، وهو من المفسرين الكبار من ذكر الفوائد المستنبطة من الآيات والسور القرآنية، وها هو الشيخ يذكر بعض الفوائد التي استنبطها من قصة نبي الله موسى عليه السلام، وهي من أكثر القصص في القرآن إن لم تكن أكثرها، فقال رحمه الله وأجزل له المثوبة: " منها: أن من أعظم العقوبات على العبد أن يكون إماما في الشر وداعيا إليه، كما أن من أعظم نعم الله على العبد أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا، قال تعالى في فرعون وَمَلَئه: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } [القصص : 41]، وقال : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبياء : 73].
ومنها: ما في هذه القصة من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ أخبر بهذه القصة وغيرها خبرا مفصَّلا مطابقا وتأصيلا موافقا، قصه قصًّا صدق به المرسلين، وأيد به الحق المبين، وهو لم يحضر في شيء من تلك المواضع، ولا درس شيئا عرف به أحوال هذه التفصيلات، ولا جالس وأخذ عن أحد من أهل العلم، إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم، ووحي أنزله عليه الكريم المنان ينذر به العباد أجمعين، ولهذا يقول في آخر هذه القصة:
{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ } [القصص : 46]، { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ } [القصص : 44] ،{ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ } [القصص : 45]،
وهذا نوع من أنواع براهين رسالته.
ومنها: ذكر كثير من أهل العلم أنه يستفاد من قوله تعالى عن جواب موسى لربه لما سأله عن العصا فقال: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي } [طه : 17 - 18] استحبابُ استصحاب العصا لما فيه من هذه المنافع المعينة والمجملة في قوله: { مَآرِبُ أُخْرَى } [طه : 18].
وأنه يستفاد منها أيضا الرحمة بالبهائم، والإحسان إليها، والسعي في إزالة ضررها.
ومنها: أن قوله جلَّ ذكره: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [طه : 14] أي: أن ذكر العبد لربه هو الذي خُلق له العبد، وبه صلاحه وفلاحه، وأن المقصود من إقامة الصلاة إقامة هذا المقصود الأعظم، ولولا الصلاة التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكِّرهم بالله، ويتعاهدون فيها قراءة القرآن، والثناء على الله، ودعائه والخضوع له الذي هو روح الذكر، لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين.
وكما أن الذكر هو الذي خلق الخلق لأجله، والعبادات كلها ذكر لله، فكذلك الذكر يعين العبد على القيام بالطاعات وإن شَقَّت، ويهون عليه الوقوف بين يدي الجبابرة، ويخفف عليه الدعوة إلى الله، قال تعالى في هذه القصة: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا } [طه : 33 و 34]. وقال: { اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي } [طه : 42].
ومنها: إحسان موسى صلى الله عليه وسلم على أخيه هارون، إذ طلب من ربه أن يكون نبيا معه، وطلب المعاونة على الخير والمساعدة عليه إذ قال:
{ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } [طه : 29 - 32] .
ومنها: أن الفصاحة والبيان مما يعين على التعليم، وعلى إقامة الدعوة، لهذا طلب موسى من ربه أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وأن اللثغة لا عيب فيها إذا حصل الفهم للكلام، ومن كمال أدب موسى مع ربه أنه لم يسأل زوال اللثغة كلها، بل سأل إزالة ما يحصل به المقصود.
ومنها: أن الذي ينبغي في مخاطبة الملوك والرؤساء ودعوتهم وموعظتهم: الرفق والكلام اللين الذي يحصل به الإفهام بلا تشويش ولا غلظة، وهذا يحتاج إليه في كل مقام، لكن هذا أهم المواضع؛ وذلك لأنه الذي يحصل به الغرض المقصود ، وهو قوله:{ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } [طه : 44].
ومنها: أن من كان في طاعة الله، مستعينا بالله، واثقا بوعد الله، راجيا ثواب الله، فإن الله معه، ومن كان الله معه فلا خوف عليه، لقوله تعالى:{ قَالَ لَا تَخَافَا } [ثم علله بقوله] { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [طه : 46]، وقال تعالى : { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } [التوبة : 40].
ومنها: أن أسباب العذاب منحصرة في هذين الوصفين :{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [طه : 48]. أي : كذب خبر الله وخبر رسله، وتولى عن طاعة الله وطاعة رسله، ونظيرها قوله تعالى: { لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [الليل : 15 و 16].
ومنها: أن قوله تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه : 82].
استوعب الله بها الأسباب التي تدرك بها مغفرة الله:
أحدها: التوبة؛ وهو الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا، وهي تَجُبُّ ما قبلها من الذنوب صغارها وكبارها.
الثاني : الإيمان؛ وهو الإقرار والتصديق الجازم العام بكل ما أخبر الله به ورسوله، الموجب لأعمال القلوب، ثم تتبعها أعمال الجوارح، ولا ريب أن ما في القلب من الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر الذي لا ريب فيه أصلُ الطاعات وأكبرها وأساسها، ولا ريب أنه بحسب قوته يدفع السيئات، يدفع ما لم يقع فيمنع صاحبه من وقوعه، ويدفع ما وقع بالإتيان بما ينافيه وعدم إصرار القلب عليه، فإن المؤمن ما في قلبه من الإيمان ونوره لا يجامع المعاصي.
الثالث: العمل الصالح؛ وهذا شامل لأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان، والحسنات يذهبن السيئات.
الرابع: الاستمرار على الإيمان والهداية والازدياد منها، فمن كمل هذه الأسباب الأربعة فَلْيُبْشر بمغفرة الله العامة الشاملة؛ ولهذا أتى فيه بوصف المبالغة فقال: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ }، ولنكتف من قصة موسى بهذه الفوائد ، مع أن فيها فوائد كثيرة للمتأملين". [تيسير اللطيف المنان خلاصة تفسير القرآن ص:333-337، بتصرف].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فقد قال تعالى { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }، وإن الناظر في قصص القرآن الكريم ليجد فيه خيرا كثيرا، وفوائد جمة، تفيده في الدنيا والآخرة، وقد أكثر العلامة السعدي رحمه الله، وهو من المفسرين الكبار من ذكر الفوائد المستنبطة من الآيات والسور القرآنية، وها هو الشيخ يذكر بعض الفوائد التي استنبطها من قصة نبي الله موسى عليه السلام، وهي من أكثر القصص في القرآن إن لم تكن أكثرها، فقال رحمه الله وأجزل له المثوبة: " منها: أن من أعظم العقوبات على العبد أن يكون إماما في الشر وداعيا إليه، كما أن من أعظم نعم الله على العبد أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا، قال تعالى في فرعون وَمَلَئه: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } [القصص : 41]، وقال : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبياء : 73].
ومنها: ما في هذه القصة من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ أخبر بهذه القصة وغيرها خبرا مفصَّلا مطابقا وتأصيلا موافقا، قصه قصًّا صدق به المرسلين، وأيد به الحق المبين، وهو لم يحضر في شيء من تلك المواضع، ولا درس شيئا عرف به أحوال هذه التفصيلات، ولا جالس وأخذ عن أحد من أهل العلم، إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم، ووحي أنزله عليه الكريم المنان ينذر به العباد أجمعين، ولهذا يقول في آخر هذه القصة:
{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ } [القصص : 46]، { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ } [القصص : 44] ،{ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ } [القصص : 45]،
وهذا نوع من أنواع براهين رسالته.
ومنها: ذكر كثير من أهل العلم أنه يستفاد من قوله تعالى عن جواب موسى لربه لما سأله عن العصا فقال: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي } [طه : 17 - 18] استحبابُ استصحاب العصا لما فيه من هذه المنافع المعينة والمجملة في قوله: { مَآرِبُ أُخْرَى } [طه : 18].
وأنه يستفاد منها أيضا الرحمة بالبهائم، والإحسان إليها، والسعي في إزالة ضررها.
ومنها: أن قوله جلَّ ذكره: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [طه : 14] أي: أن ذكر العبد لربه هو الذي خُلق له العبد، وبه صلاحه وفلاحه، وأن المقصود من إقامة الصلاة إقامة هذا المقصود الأعظم، ولولا الصلاة التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكِّرهم بالله، ويتعاهدون فيها قراءة القرآن، والثناء على الله، ودعائه والخضوع له الذي هو روح الذكر، لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين.
وكما أن الذكر هو الذي خلق الخلق لأجله، والعبادات كلها ذكر لله، فكذلك الذكر يعين العبد على القيام بالطاعات وإن شَقَّت، ويهون عليه الوقوف بين يدي الجبابرة، ويخفف عليه الدعوة إلى الله، قال تعالى في هذه القصة: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا } [طه : 33 و 34]. وقال: { اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي } [طه : 42].
ومنها: إحسان موسى صلى الله عليه وسلم على أخيه هارون، إذ طلب من ربه أن يكون نبيا معه، وطلب المعاونة على الخير والمساعدة عليه إذ قال:
{ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } [طه : 29 - 32] .
ومنها: أن الفصاحة والبيان مما يعين على التعليم، وعلى إقامة الدعوة، لهذا طلب موسى من ربه أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وأن اللثغة لا عيب فيها إذا حصل الفهم للكلام، ومن كمال أدب موسى مع ربه أنه لم يسأل زوال اللثغة كلها، بل سأل إزالة ما يحصل به المقصود.
ومنها: أن الذي ينبغي في مخاطبة الملوك والرؤساء ودعوتهم وموعظتهم: الرفق والكلام اللين الذي يحصل به الإفهام بلا تشويش ولا غلظة، وهذا يحتاج إليه في كل مقام، لكن هذا أهم المواضع؛ وذلك لأنه الذي يحصل به الغرض المقصود ، وهو قوله:{ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } [طه : 44].
ومنها: أن من كان في طاعة الله، مستعينا بالله، واثقا بوعد الله، راجيا ثواب الله، فإن الله معه، ومن كان الله معه فلا خوف عليه، لقوله تعالى:{ قَالَ لَا تَخَافَا } [ثم علله بقوله] { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [طه : 46]، وقال تعالى : { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } [التوبة : 40].
ومنها: أن أسباب العذاب منحصرة في هذين الوصفين :{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [طه : 48]. أي : كذب خبر الله وخبر رسله، وتولى عن طاعة الله وطاعة رسله، ونظيرها قوله تعالى: { لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [الليل : 15 و 16].
ومنها: أن قوله تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه : 82].
استوعب الله بها الأسباب التي تدرك بها مغفرة الله:
أحدها: التوبة؛ وهو الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا، وهي تَجُبُّ ما قبلها من الذنوب صغارها وكبارها.
الثاني : الإيمان؛ وهو الإقرار والتصديق الجازم العام بكل ما أخبر الله به ورسوله، الموجب لأعمال القلوب، ثم تتبعها أعمال الجوارح، ولا ريب أن ما في القلب من الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر الذي لا ريب فيه أصلُ الطاعات وأكبرها وأساسها، ولا ريب أنه بحسب قوته يدفع السيئات، يدفع ما لم يقع فيمنع صاحبه من وقوعه، ويدفع ما وقع بالإتيان بما ينافيه وعدم إصرار القلب عليه، فإن المؤمن ما في قلبه من الإيمان ونوره لا يجامع المعاصي.
الثالث: العمل الصالح؛ وهذا شامل لأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان، والحسنات يذهبن السيئات.
الرابع: الاستمرار على الإيمان والهداية والازدياد منها، فمن كمل هذه الأسباب الأربعة فَلْيُبْشر بمغفرة الله العامة الشاملة؛ ولهذا أتى فيه بوصف المبالغة فقال: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ }، ولنكتف من قصة موسى بهذه الفوائد ، مع أن فيها فوائد كثيرة للمتأملين". [تيسير اللطيف المنان خلاصة تفسير القرآن ص:333-337، بتصرف].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.