قصة نوح عليه السلام

watch_later الاثنين، 8 أغسطس 2016
بدأت البشرية طريقها في الحياة مهتدية، مؤمنة، موحدة، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، ثم انحرفت بعد ردح من الزمان عن هذا الصراط السوى المستقيم وخرجت عن الفطرة التي فطرها الله عليها، وتفرقت بها السبل وتقطعت بها الأسباب، واستحوذت على الناس الشياطين فأنستهم ذكر الله تعالى حتى عبدوا من دونه ما لا ينفعهم ولا يضرهم، ولا يغني عنهم شيئاً، فاقتضت حكمة الله تبارك وتعالى أن يرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين ليردوهم إلى فطرتهم التي فطرهم عليها، ويأخذوا بأيديهم إلى سبيل النجاة من عذابه في الدنيا والآخرة.
وكان أول رسول أرسله الله إليهم بعد آدم عليه السلام هو نوح بن لامك عليه السلام، وكان بينه وبين آدم عشرة قرون كلهم على الإسلام كما جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنها.
وقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً».
وقد وردت أطراف قصة نوح عليه السلام في سور كثيرة هي: الأعراف، ويونس، وهود، والأنبياء، والمؤمنون، والشعراء، والعنكبوت، والصافات، والقمر.
وأنزلت في شأنه مع قومه سورة بتمامها، وأشير إلى مضمون هذه القصة في سور أخرى للعظة والعبرة.
وهذه القصة البليغة في أسلوبها ومعانيها، ومقاصدها ومراميها، تصف لنا بوضوح مشرق أول تجربة من تجارب الدعوة إلى الله في الأرض، وتمثل دورة من دورات العلاج الدائم الثابت المتكرر للبشرية كلها، وتطلعنا على أطول جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، وترسم لنا صورة من صور البشرية العنيدة الضالة، الذاهبة وراء القيادات المضللة، المستكبرة عن الحق، المعرضة عن دلائل الهدى وموجبات الإيمان.
ثم هي في الوقت ذاته تكشف عن صورة من صور الرحمة الإلهية تتجلى في رعاية الله لهذا الكائن الإنساني وعنايته به بإرسال رسله إليه تترا، رسولاً بعد رسول، ليردوه إلى سواء السبيل، ويزيلوا ما يعترض طريقه إلى الإيمان بخالقه من عقبات وعراقيل.
ثم هي بعد هذا وذاك تعرض صورة من صور الجهد المضنى والعناء المرهق، والصبر الجميل، والحلم الرشيد، والإصرار الكريم من جانب نوح عليه السلام لهداية قومه، حرصاً عليهم ورحمة بهم.
* دعوته إلى التوحيد:
لبث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، لا يكل ولا يمل من دعوته لهم ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، فما زادهم ذلك إلا فراراً من الهدى، وإعراضاً عن الحق، فقد ظلوا يعبدون أصنامهم التي صنعوها بأيديهم، واتخذوها آلهة يرجون منها الخير، ويستدفعون بها الشر، ويردون كل شيء في الحياة إليها، وسموها بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وأوصى بعضهم بعضاً بالعكوف لها غير مبالين بما توعدهم به نبيهم عليه السلام، وكفوا عن مجالسته والسماع لنصحه، واتهموه بالضلال والكذب والجنون، وكانوا إذا رأوه وضعوا أصابعهم في آذانهم وغطوا وجوههم بثيابهم.
ولكن نوحاً عليه السلام كان يغشاهم في مجالسهم، ويسمعهم كلمة الحق رغم أنوفهم، ويجادلهم في شأن أصنامهم، يريهم مدى ما هم فيه من ضلال وجهل وعمى، فيقولون: يا نوح كيف نؤمن لك وقد اتبعك الأرذلون من الضعفاء والفقراء الذين لا رأي لهم ولا عقل، وما أنت إلا بشر مثلنا وواحد منا، تأكل مما نأكل منه، وتشرب مما نشرب، ولو شاء الله لأنزل ملائكة، ولجوا في الجدل وأمعنوا في المراوغة، وقالوا: ما نرى لك يا نوح ولصحبك علينا من فضل لا في العقل ولا في بعد النظر، ولا في رعاية المصالح، ولا في معركة المعاد وخاتمة المطاف، بل نظنكم كاذبين.
فأجابهم نوح عليه السلام في أناة وحلم واستعطاف عن هذه الشبه وغيرها مما أوردوه عليه مدعماً أقواله بالحجج المقنعة بأنه ليس من العجب أن يبعث الله إليهم رسولاً منهم فذلك خير لهم وآنس لنفوسهم، وليس إيمان الفقراء والضعفاء به صارفاً لهم، فقد كان الأولى بهم أن يكونوا إلى الإيمان أسرع منهم، ما داموا يعتقدون أنهم أغزر عقلاً وأحسن رأياً.
وقال لهم: يا قوم أرأيتم لو أنني كنت على بينة من ربي وحجة شاهدة بصدق دعواى، وآتاني رحمة منه وفضلاً فعمى عليكم القصد واشتبه الأمر، وحاولتم ستر الشمس بأكفكم، أو طمس النجوم بأيديكم، فهل أستطيع لكم إلزاماً أو أملك لحملكم على الإيمان سلطاناً، وكيف أتخلى عمن آمن بي من الضعفاء والفقراء وأطردهم من مجلس لكراهتكم إياهم واستخفافكم بهم، وأنفتكم من مجالستهم، وقد سوَّى الله بينكم وبينهم، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، ومن ينصرني من الله إن طردتهم عن مجلسي، وأبعدتهم عن ساحتي من أجلكم.
ولما اشتد بينهم وبينه الجدل، واتسعت هوة الخلاف، سئموا منه وضاقت صدورهم به، وقالوا آخر ما عندهم من مقال ليكف عن جدالهم، ويتنحى تماماً عن دعوتهم، وييأس كل اليأس من استجابتهم له وإيمانهم به.
﴿قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [هود:32].
فرفق بهم نوح وقال: إنكم تسرفون في الجهل، وتمعنون في الحمق، ومن أنا حتى آتيكم بالعذاب أو أصده عنكم، وهل أنا إلا بشر مثلكم يوحي إلى أنما إلهكم  إله واحد، فأبلغكم ما أمرت به وأبشركم بالثواب مرة، وأنذركم بالعذاب أخرى!! ألا إن مرد كل شيء إلى الله إن شاء هداكم، وإن شاء استعجل فآذاكم، وإن شاء أملى لكم ليزيد في عقابكم ويمعن في النكاية بكم.
 شكواه إلى الله:
فلما لم يجد عليه السلام حيلة في هدايتهم بث شكواه إلى الله، وعرض ما انتهى إليه أمره وما آل إليه حاله ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا5/71فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا6/71وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا 7/71ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا8/71ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح:5-9] وهذه الشكوى لم تكن عن ضجر ولا عن يأس وإنما كانت تنفيساً عن قلبه المتعب الحزين، وإبراءً لذمته أمام ربه عز وجل إذ لم يدخر جهداً في دعوة قومه وهدايتهم.
وبعد أن عرض شكواه على النحو المفصل في سورة نوح دعا عليهم بالعذاب الذي طلبوه واستعجلوه ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا26/71إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح:26-27].
فاستجاب الله له، وأمره أن يصنع الفلك ويكف عن مخاطبته في شأنهم فإنهم هالكون لا محالة، فقال جل شأنه: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ36/11وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ [هود:36-37].فاتخذ نوح عليه السلام مكاناً قاصياً عن المدينة وأعد الألواح والمسامير وأخذ يعمل، ولكنه لم ينج من سخرية القوم واستهزائهم.
فقال بعضهم: إنك يا نوح كنت تزعم قبل اليوم نبي ورسول فكيف أصبحت اليوم نجاراً، أزهدت في النبوة، أم رغبت في النجارة؟. وقال غيرهم: ما بال سفينتك بعيدة عن البحار والأنهار، أعددت الثيران لجرها، أم كلفت الهواء حملها؟!. ولكنه كعادته لم يكن فاحشاً ولا لعاناً فاكتفى بقوله كما حكى القرآن عنه: ﴿إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ38/11فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ [هود:38-39].
* نجاته ومن معه من المؤمنين:
واستمر نوح عليه السلام في صنع السفينة حتى أحكم بناءها وأتقن صنعها، وانتظر ما يكون من أمر الله تعالى، فأوحى إليه أنه إذا جاء أمرنا وظهرت آياتنا فاعمد إلى سفينتك، وخذ من آمن من قومك وأهلك واحمل معك من كل زوجين اثنين حتى يبلغ الأمر مداه.
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلَّا قَلِيلٌ﴾ [سورة هود:40].
وفوران التنور كناية عن اشتداد الأمر واستحكام الخطر، والتنور: هو ما يخبر فيه.
وتفتحت أبواب السماء بالماء، وتفجرت عيون الأرض، وبلغ السيل الزُّبى، ثم جاوز القيعان والرُّبا، فهرع نوح إلى السفينة، وحمل ما أمره الله بحمله من الإنسان والحيوان والنبات.
وقال لأهله ومن آمن معه: استقروا على ظهر السفينة واحمدوا الله على نعمة النجاة، ولا يخيفنكم ما ترون من السيول العارمة والأمواج المتلاطمة، ولا تخشوا على سفينتكم من الغرق في هذا الطوفان العظيم لضآلتها، وضعف مقوماتها؛ فإنها تسبح في عباب الماء بقدرة الله وعنايته، وتستوي بمشيئة الله تعالى حيث أراد الله أن تستوي، ولا رادَّ لقضائه ولا معقب لحكمه، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، فإن الله عز وجل قد أوصاه إذا ركب السفينة هو ومن معه أن يثقوا جميعاً بالنجاة، وأن يلهجوا بحمده والثناء عليه ليكون حسن توكلهم وجميل ثنائهم وخالص دعائهم صمام الأمان لهم في رحلتهم إلى الوجهة التي أرادها الله لهم، حيث تستقر سفينتهم، ويستتب الأمر لهم بعد أن يهلك عدوهم، قال تعالى: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ28/23وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْـمُنزِلِينَ﴾ [سورة المؤمنين:28-29].
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[هود:41].
وأطل نوح عليه السلام برأسه ليرى مصارع القوم فأبصر من بينهم ولده- كنعان- يقاوم الأمواج وتقاومه، وكانت شقوة الله قد غلبت عليه فاعتزل أباه ورغب عن دينه والتحق بأمه، فناداه مستعطفاً أن يركب معه السفينة لينجو بنفسه، وكرر النداء مرة بعد مرة لعل نداءه يصل إلى مكان الإيمان من قبله فيؤمن، أو يلمس ناحية الشعور فيه فيذعن، ولكن هذا النداء المتكرر لم يصل إلى شغاف قلبه، بل لم يتجاوز أذنيه، فقال في عناد وصلف وغرور: سآوى إلى جبل مرتفع يعصمني من الماء، ولم يعلم هذا الغِرُّ الأثيم أنه لا عاصم له من أمر الله، ولا مهرب من قضائه وقدره، فغالبته الأمواج، وحالت بينه وبين أبيه فلم يعد يرى كل منهما الآخر فكان من المغرقين، قال تعالى: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ42/11قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْـمُغْرَقِينَ﴾ [هود:42-43].
ولما حال الموج بين نوح وولده كنعان، استبد به الحزن واشتد عليه الكرب، وغالبه حنان الأبوة، فاستغاث بربه لينقذ فلذة كبده من الغرق المحقق لعلمه أنه القادر على كل شيء، وقد ظن أن ولده من أهله الذين وعده الله نجاتهم، فأخبره الله عز وجل أن الكفر قد حال بينهما وأن كلمة العذاب قد حقت على ولده فلا مهرب له منها، وأن شفاعته له لا محل لها.
قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ45/11قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود:45-46].
ولما قضى الله ما هو كائن وأتم إغراق القوم الظالمين، أمر السماء أن تقلع عن إنزال الماء، وأمر الأرض أن تغيب الماء في أعماقها؛ لتعود الحياة عليها كما كانت قبل الطوفان في جو آخر يسود فيه الأمن والسلام، ويعبد المؤمنون فيه ربهم مخلصين له الدين يرجون رحمته ويخافون عذابه.
قال تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود:44].
وهبط نوح عليه السلام بسفينته على هذا الجبل بسلام من الله كما أمره الله عن عز وجل، وخرج هو ومن معه إلى الفضاء الواسع الفسيح، يستنشقون نسيم الحرية، ويتفرغون لعمارة الأرض من جديد بعد أن غسلها الطوفان وطهرها من الشرك وأهله ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [هود:48].
وظل نوح عليه السلام بعد طوفان زمناً يعلم المؤمنين أمور دينهم، ويزكي نفوسهم بما أوحاه الله إليه من المواعظ والعبر، حتى لقى ربه عز وجل، وقد مات المؤمنون الذين كانوا معه في السفينة واحداً بعد الآخر، ولم يتركوا من بعدهم ذرية تخلفهم في الأرض إلا أولاد نوح عليه السلام وهم سام وحام ويافت، فإنهم قد تركوا من خلفهم ذرية، تفرقوا في الأرض وعمروها، فكان جميع أفراد البشر من نسلهم. فسام أبو العرب والعبريين، وحام أبو السودان والحبشة وغيرهم من الأفارقة، ويافث أبو الترك وغيرهم من العجم.
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ﴾ [سورة الصافات:77].وحفظ الله لنوح عليه السلام ذكراه العطرة في كل أمة من العالمين، فكل مؤمن يذكره يسلم عليه تحية له وتعظيماً لمكانته، فهو الأب الثاني للبشرية وهو أول من دعا إلى الله على بصيرة، وتعرض للأذى من قومه في سبيل دعوته، وهو من أولى العزم، وأصحاب الهمم العالية والأخلاق السامية، وهو المثل الأعلى لغيره من الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ78/37سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ79/37إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنِينَ80/37إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْـمُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات:78-81].
* * *
* المرجع: قصص القرآن: د. محمد بكر إسماعيل.



sentiment_satisfied Emoticon